روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | لا تكن لعانًا.. آفات اللعن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > لا تكن لعانًا.. آفات اللعن


  لا تكن لعانًا.. آفات اللعن
     عدد مرات المشاهدة: 4275        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد. لا ريب أن من مقاصد رسالة الإسلام تهذيب الأخلاق، وتزكية النفوس، وتنقية المشاعر، ونشر المحبة والألفة وروح التعاون والإخاء بين المسلمين.. قال النبي:  {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق} [رواه أحمد والطبراني] وهناك آفة عظيمة انتشرت بين جميع فئات المجتمع على اختلاف مراحلهم العمرية وطبقاتهم الثقافية.. آفة عظيمة نشأ عليها الصغير، ودرج عليها الكبير، وتساهل بها كثير من الآباء والأبناء، الرجال والنساء، الشباب والفتيات..

آفة عظيمة تولدت منها الأحقاد، وثارت الضغائن، وهاجت بسببها رياح العداوة والبغضاء. آفة عظيمة تغضب الرب جل وعلا، وتخرج العبد من ديوان الصالحين، وتدخله في زمرة العصاة الفاسقين.. إنها السب واللعن والفحش وبذاءة اللسان.. فتجد الوالد يسب أبناءه ويلعنهم، والأم كذلك تفعل مثله، ولا يدريان أن ذلك من كبائر الذنوب وعظائم الآثام. وتجد الصديق يسب ويلعن صديقه، فيرد عليه بسب أمه وأبيه. حتى الطفل الصغير تجده قد تعود كيل السباب واللعائن للآخرين، وربما فعل ذلك بأبيه وأمه وهما ينظران إليه فرحين مسرورين..

إن الواجب على كل عاقل أن يضبط لسانه دائمًا، ولا يعوده السب واللعن، حتى مع خادمه وولده الصغير، بل ومع أي شيء من جماد أو حيوان، فإنه لا يأمن إذا سب أحدًا من الناس أو لعنه أن يقابله بمثل قوله، أو يزيد عليه فيثور غضبه ويطغى، ويقوده إلى ما لا تُحمد عقباه، وكم من جريمة وقعت كانت بدايتها لعنًا وسبابًا، ومعظم النار من مستصغر الشرر.

وإذا سب الإنسان أو لعن مسلمًا فقد آذاه، والله تعالى يقول: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينا [الأحزاب:58].

 آفة السب:

يقول النبي:  {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر} [متفق عليه]. قال النووي رحمه الله: (السب في اللغة: الشتم والتكلم في عِرض الإنسان بما يعيبه. والفسق في اللغة: الخروج، والمراد به في الشرع: الخروج عن الطاعة.. فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي ) [شرح صحيح مسلم:2 241].

فهل تصور أولئك الذين يطلقون ألسنتهم سبًا وشتمًا وانتهاكًا لأعراض المسلمين أنهم يكونون بذلك فساقًا خارجين عن طاعة الله ورسوله؟! ألا فليتق الله أناس تركوا العنان لألسنتهم حتى أوردتهم موارد الهلكة ومراتع الحسرات، قال النبي:  {سباب المسلم كالمشرف على الهلكة} [رواه البراز وحسنه الألباني]

 تحذير للبادئ بالسباب:

إن البادىء بالسباب هو الذي يتحمل الإثم وحده، إذا عفا عنه المسبوب، أو انتصر بقدر مظلمته، ولم يتجاوز ذلك إلى ما ظلم وتعد، قال النبي:  {المستبان ما قالا، فعلى البادىء منهما، ما لم يعتد المظلوم} [رواه مسلم] وللإمام النووي رحمه الله فوائد حول هذا الحديث حيث قال: (

1- معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادىء منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادىء أكثر مما قال له.

2- وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة. قال الله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل [الشورى:41]. وقال تعالى: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون [الشورى:39].

3- ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، قال الله تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [الشورى:43]. وللحديث المذكور بعد هذا: {وما زاد الله عبدًا بعفوًا إلا عزى}.

4- واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام، كما قال:  {سباب المسلم فسوق}.

5- ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه، ما لم يكن كذبًا، أو قذفًا، أو سبًا لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بـ (يا ظالم)  (يا أحمق) أو (يا جافي) أو نحو ذلك، لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف. 6- قالوا: وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء، أو الإثم المستحق لله تعالى) ا. هـ. [شرح صحيح البخاري].

وإذا تعدى المسبوب وتجاوز الحد وقع الإثم عليهما، فعن عياض بن حمار قال: قلت: يانبي الله! الرجل يشتمني وهو دوني، أعليّ من بأس أن أنتصر منه؟ قال:  {المستبان شيطانان يتهاتران، ويتكاذبان} [رواه ابن حبان وصححه الألباني].

 من أكبر الكبائر:

واحذر أخي من أن تكون سببًا في سب والديك فتكون كمن سبهما، فقد قال النبي:  {إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه} قيل يارسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: {يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه} [رواه البخاري]. ومن المؤسف أنه قد انتشر ذلك بين أبناء المسلمين وطلابهم، وهذا - والله - دليل على انحطاط في التربية، وتفريط من أولياء الأمور الذين لا ينشئون أبناءهم على الفضيلة والأخلاق الحسنة والخصال الجميلة. وهذا الوعيد فيمن كان سببًا في سب أبيه وأمه دون أن يسبهما بنفسه، فكيف حال من يقوم بسبهما بنفسه، فيسب والديه ويلعنهما، وهناك من يضربهما ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 آفة اللعن:

أما اللعن فقد ورد فيه وعيد شديد وتهديد أكيد من النبي، فقد قال النبي:  {لعن المؤمن كقتله} [متفق عليه]. وتأمل أخي في جريمة قتل المؤمن وشدة قبحها، وما رتب الله عليها من العذاب والنكال واللعنه والغضب في الدنيا والآخرة، تعرف بذلك خطورة اللعن والتمادي فيه. قال تعالى: ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاءوه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا  [النساء:93]. فهذا جزاء قاتل المؤمن الذي شبه النبي لاعنه به، فأي جرم هذا الجرم؟ وأي خطيئة تلك الخطيئة؟! وبيّن النبي أن المؤمن كامل الإيمان لا يكون لعانًا أبدًا، فقال عليه الصلاة والسلام: {لا يكون المؤمن لعانًا } [رواه الترمذي وصححه الألباني]. ولذلك نهى النبي عن التلاعن فقال عليه الصلاة والسلام: {لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه ولا بالنار} [رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح].

وأخبر عن تأخر منازل اللعانين يوم القيامه فقال: {لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة} [رواه مسلم]. قال النووي رحمه الله عن هذا الحديث: (فيه الزجر عن اللعن، وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة، لأن اللعنه في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى، وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى، وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وكالجسد الواحد، وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة – وهي الإبعاد من رحمة الله – فهو في نهاية المقاطعة والتدابر) [شرح صحيح مسلم:16 364].

وأوصى النبي جرموذ الجهني فقال: {أوصيك ألا تكون لعانًا } [رواه الطبراني وصححه الألباني]. وقال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: (كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه، رأينا أنه أتى بابًا من الكبائر).

 أين تذهب اللعنة؟

هل تدري أيها اللعان أن لعنتك تصعد إلى السماء فيهرب أهل السماء منها خشية أن تصيبهم؟! هل تدري أنها تهبط إلى الأرض بعد ذلك، فتهرب الكائنات منها خشية أن تصيبهم؟! هل تدري أنها تذهب بعد ذلك يمينًا ويسارًا حتى تصادف من يستحقها؟ ثم هل تدري أنها تعود إليك إذا كان من لعنت لا يستحق لعنتك؟ فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله:  {إن العبد إذا لعن شيئًا صعدت اللعنه إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينًا وشمالًا، فإن لم تجد مساغًا رجعت إلى الذي لعن فإن كان أهلًا، وإلا رجعت إلى قائلها} [رواه أبو داود وحسنه الألباني لغيره].

فلماذا تحمل نفسك - أخي - هذا الذنب العظيم، ولما تصر على هذا الجرم الكبير؟ ولماذا لا تعود لسانك الدعاء لأبنائك وبناتك بدلًا من لعنهم والدعاء عليهم؟ ألا تخشى أن ترجع إليك لعنتك وتكون ساعة إجابة، فتطرد من رحمة الله عز وجل، وتكون من المبعدين المقبوحين؟ ألا تخشى أن تلقى الله عز وجل بلسان ولغ في أعراض المسلمين واستباح حرماتهم؟ ألا تخشى أن تتساوى حسناتك وسيئاتك فتأتي لعنتك فترجح ميزان سيئاتك فتدخل بها النار؟

 سد منافذ اللعن:

إن بعض الناس لم يسلم منه حتى الجماد والحيوان، فتراه يسب ويلعن ويضرب كل شيء حوله، ولذلك سد النبي كل منفذ يؤدي إلى السب واللعن، فنهى عن سب أو لعن كل شيء لا يستحق اللعن، حتى ولو كان حيوانًا أو جمادًا، فعن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت، فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله فقال: {خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة}. قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. [رواه مسلم]. قال النووي رحمه الله: (إنما قال هذا زجرًا لها ولغيرها، وكان قد سبق نهيها ونهي غيرها عن اللعن، فعوقبت بإرسال الناقة. والمراد. النهي عن مصاحبته لتلك الناقة في الطريق) [شرح صحيح مسلم للنووي:16 363]. وقال النبي:  {لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة} [رواه أبو داود وابن حبان وصححه الألباني].

إن عظمة الإسلام لتتجلى في هذه التوجيهات السامية والآداب الرفيعة التي حافظت على حق الحيوان البدني والمعنوي، والتي حرمت كل أشكال الإيذاء بغير حق، فيا ليت دعاة حقوق الحيوان يعرفوا للإسلام فضله في هذا السبيل، ويعترفوا له بالسبق في هذا الميدان الذي يتفاخرون به ويحسبون أنهم أصحابه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلًا لعن الريح عند رسول الله فقال: {لا تلعن الريح فإنها مأمورة، من لعن شيئًا ليس له بأهل، رجعت اللعنة عليه} [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني]. وعن جابر أن النبي دخل على أم السائب فقال: {مالك تٌزفزين؟} قالت: الحمى، لا بارك الله فيها. قال: {لاتسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير الخبث} [رواه مسلم].

ومما سبق يتبين أن الإسلام حرص على أن يكون المؤمن طاهر اللسان حلو المنطق، عذب الكلمات، لا يشينه شيْ، ولا يقدح في مروءته قادح.

 [حكم لعن المعين]

لاريب أن المؤمن المعين لا يجوز لعنه حيًا أو ميتًا للأدلة التي ذكرنا بعضها فيما سبق، أما الكافر المعين فلا يجوز لعنهإذا لم يكن قد مات على الكفر، لأنه لا يدري ما يختم له به، وليس هناك مصلحة في الدعاء على أحد بالموت على الكفر، ويدل على ذلك حديث ابن عمر، أن رسول الله قال يوم أحد: {اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أميه} فنزلت الآية ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون [آل عمران:128] فتاب عليهم كلهم [رواه أحمد والترمذي، وعند البخاري {اللهم العن فلانًا وفلانًا }. فإذا كان لايجوز لعن الكافر المعين الذي لم يمت على الكفر، فكذلك لا يجوز لعن الفاسق المعين أو الظالم المعين من باب أولى، نعم يجوز ذلك بالأوصاف العامة، كأن يقول: لعنة الله على الزناة، أو على الكاذبين ونحو ذلك (أنظر كتاب الأخلاق الدينيه لعبد الرحمن الجزيري ص111).

فقد لعن النبي أصنافًا من العصاة بغير تعيين كالواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، وآكل الربا وموكله، وشارب الخمر، والمحلل والمحلل له، وغيرهم كثير. أما من تيقن موته على الكفر كفرعون وأبي جهل وغيرهما فإنه يجوز لعنه، على أن المسلم ينبغي عليه أن يطهر لسانه من السبّ واللعن إلا إذا كانت مصلحة راجحة. [أدب السلــف].

أخي الحبيب: كان سلف الأمة أحرص منا على الخير، ولذلك كانوا يتحاشون السبّ واللعن، ويطيبون ألسنتهم بذكر الله وشكره ودعائه والثناء عليه وتلاوة كتابه، ومما روي عنهم في ذلك:

1) قال الزربقان: كنت عند أبي وائل، فجعلت أسبّ الحجاج، وأذكر مساوئه، فقال أبو وائل: وما يدريك! لعلّه قال: اللهم اغفرلي فغفر له!

2) وقال عاصم بن أبي النجود: ما سمعت أبا وائل شقيق ابن سلمة سب إنسانًا قط ولا بهيمة.

3) وقال المثنى بن الصباح: لبث وهب بن منبه أربعين سنة لم يسب شيئًا فيه روح.

4) وعن سالم قال: ما لعن ابن عمر خادمًا قط، إلا واحدًا فأعتقه. لا تكن عونًا للشيطان على أخيك.

5) عن ابن مسعود قال: (إذا رأيتم أخاكم قارف ذنبًا فلا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه، تقولون: اللهم اخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فإنا أصحاب محمد كنا لا نقول في أحدًا شيئًا، حتى نعلم على ما يموت، فإن ختم له بخير، علمنا أنه قد أصاب خيرًا، وإن ختم له بشر، خفنا عليه عمله.

6) وروي أن أبا الدرداء مر على رجل قد أصاب ذنبًا، فكانوا يسبونه، فقال لهم أبو الدرداء: أرأيتم لو وجدتموه في بئر ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. قالوا: أفلا نبغضه؟ قال: إنما أبغضه عمله، فإذا تركه فهو أخي.

ولو أن المسلمين تعاملوا بهذه الأخلاق الكريمة، والنفوس الصافية والصدور السليمة لتغير حالهم، وعظم أثرهم في أنفسهم وفي غيرهم من غير المسلمين.. ألا فليرجع المسلمون إلى أخلاق النبوة وآداب الرسالة، ليرجع إليهم تميزهم، ويكونوا خير أمة أخرجت للناس، كما كان أسلافهم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المصدر: موقع كلمات